السياحة نشاط إنساني تطور بتطور الإنسان نفسه. فمن
قائل بأنها وسيلة الاسترزاق الأولى حيث راح الإنسان الأول يسيح وراء الماء أو الكلأ
أو الثمار أو التجارة فيما بعد.ومن قائل بأنها الوسيلة الأولى التي مكنت الإنسان الأول
من الفرار من المتاعب فساح في البراري حرا طليقا من كل هم أو قيد.ومن قائل بأنها وسيلة
الاطلاع والمعرفة الأولى حيث كانت الوسيلة الأولى التي مكنت أول إنسان خرج من مغارته
وجازف بدخول مغارة غيره، ولما رجع سالما عند أهله، نقل إليهم، بما يملك من وسائل تبليغ،
ما شاهد أو سمع عند الآخرين.
وتطورت السياحة، عبر العصور، بتطور وسائل النقل وهياكل
السفر وتنظيماته،وبتطور وسائل الاتصال من بريد إلى وسائل سمعية بصرية، ثم بتطور نمو
الدخل الفردي في كثير من بلدان العالم، الأمر الذي جعل النشاط السياحي يتسع اجتماعيا
ولا يبقى حكرا على الطبقات العليا أو النخبة، حتى أصبحت السياحة وسيلة تهذيبية في العديد
من المجتمعات الأوروبية، فلا يعد الشاب فيها مهذبا إلا إذا قام بجولة سياحية معينة(2).
تعددت أنواع السياحة باختلاف الأهداف المرجوة منها:
فمنها الدينية التي يهدف صاحبها إلى زيارة أماكن مقدسة أو معالم دينية أو شخصيات دينية
حية أو ميتة قصد الاستشارة أو الزيارة بغض النظر عن طبيعة الديانة وموقعها في الزمان
والمكان،والأمثلة على ذلك كثيرة عند الهنود والإغريق واليهود والمسيحيين والمسلمين...الخ،
ومنها التثقيفية التعليمية التي يهدف صاحبها إلى الاطلاع على عجائب الدنيا وإلى ما
عند الغير، وعرف هذا النوع من السياحة ازدهارا متزايدا منذ القرن الثامن عشر حيث ساح
أدباء أوربا وفنانوها ومثقفوها في مختلف ربوع العالم بحثا عن الجديد والغرابة، وعدت
السياحة لديهم مصدرا تثقيفيا لا غنى عنه. ومنها الترفيهية التي لجأ إليها كبار القوم
في العصور السابقة ترويحا على أنفسهم من ثقل المسؤوليات وتجديدا للحيوية والنشاط، ثم
أصبحت ظاهرة جماهيرية في القرن العشرين مع نمو الدخل الفردي وسهولة وسائل النقل والاتصال
وتنظيم العمل وضغط الحياة اليومية في المصانع والمدن الكبرى. ومنها الصحية التي لجأ
إليها أناس بحثا عن الراحة والشفاء كما هو الحال مع كارل ماركس (K.Marx) وأندري جيد (A.Gide) اللذين ساحا في الجزائر
هربا من برودة ورطوبة بلديهما بحثا عن جو دافئ وجاف يخفف عنهما آلام الربو والمتاعب
الصدرية التي كانا يعانيان منها، وكما هو الحال اليوم مع شركات سياحية تغري طبقات اجتماعية
أوروبية بسياحة طبية في بلدان تجمع بين خدمات طبية زهيدة الثمن وبين السياحة كما هو
الحال مع تونس والمغرب والبرازيل ...الخ.
تعددت أنواع السياحة حتى أصبحنا نسمع بتسميات سياحية
لاعد لها ولا حصر وتطورت أهدافها ووسائلها
وخرجت من طور النشاط الفردي إلى طور النشاط المؤسساتي المنظم تتسابق الدول والشعوب
في تنظيمها وترقيتها لاستقطاب أكبر عدد ممكن من السواح نظرا إلى دور السياحة الفعال
في تنشيط اقتصاديات البلد ولفوائد أخرى متعددة مثل نسج خيوط الاتصال مع الآخرين لأن
الحياة المعاصرة أصبحت تقوم على التواصل والتفاعل معهم في مختلف المجالات عن طريق تعريفهم
بتراث البلد وفنه وذوقه ولغته.
لقد أصبحت السياحة اليوم نشاطا استراتيجيا متعدد الغايات
والأهداف تتنافس فيه الدول والأمم يحقق أهدافا تبدو اقتصادية في الظاهر إلا أنها تتجاوز
ذلك في الباطن .ومن فوائد السياحة اليوم أنها أصبحت أداة فعالة في تطور اللغات وآنتشارها.
طالع ايضا : موقع 'روائع السفر' : دليلك السياحي إلى العالـــم
السياحة واللغة:
تعد اللغة أعظم اختراع عرفته البشرية حتى يومنا هذا،
بها يتواصل الإنسان مع الغير ويعبر ويفكر. ونظرا إلى خصوصية اللغات من حيث نظامها اللساني
(قال ابن جني: اللغة أصوات يعبر بها كل قوم عن أغراضهم)(3) وآرتباطها تعبيريا وتواصليا
بأهلها وبيئتهم فقد كانت اللغة، فيما مضى، العقبة الكأداء أمام السائح الذي كان يصطدم
بأناس لا يفهمون ما يريد حتى لو طلب أتفه الأشياء(4) معتقدا أنهم يجهلون طلبه البسيط
غير مدرك أن المشكلة لغوية بالدرجة الأولى.
ولما تطور تعليم اللغات الأجنبية وتعلمها وشاع بعد
الحرب العالمية الثانية، وأصبحت السياحة نشاطا اقتصاديا مربحا ومنظما اكتسبت لغات صفة
"لغة سياحية"مثل الانكليزية في مختلف أنحاء العالم والإسبانية في شبه جزيرة
إيبريا وأمريكا اللاتينية والصينية واليابانية في جنوب شرق آسيا، والفرنسية في البلدان
الفرانكوفونية مثل بلجيكا وسويسرا وكندا والمغرب العربي وبلدان إفريقية أخرى.
تعاملت هذه اللغات مع السواح في ميادين النقل برا
وبحرا وجوا، والإيواء بمختلف أصنافه ودرجاته والإطعام بمختلف أنواعه والترفيه الفني
والثقافي وكانت محصلة ذلك ظهور معاجم لغوية سياحية تجسدت في الأدلة (جمع دليل) التي
يجدها السائح في الوكالات السياحية وفي المكتبات وفي المطارات ومحطات السفر وفي الفنادق...الخ.
وفرضت هذه اللغات بفضل قوتها السياحية نفسها على السائح الأجنبي الذي وجد نفسه مجبرا
على التعامل بها داخل بلد اللغة الأصلي وخارجه أيضا حيث تعاملت الكثير من البلدان سياحيا
بتلك اللغات"السياحة" غير مكترثة بتبعات ذلك.وهكذا كانت حركة السياحة عاملا
أسهم في تطور اللغات السياحية المشار إليها سابقا وفي آنتشارها، وبالتالي انتشار ثقافتها
وذوقها و كل ما يترتب عن ذلك، وبالتالي أسهمت في تطور تلك اللغة وآنتشارها.
اللغة العربية والسياحة:
خرج العرب من حيزهم اللغوي والثقافي سائحين في مختلف
أنحاء العالم في جولات نخبوية منذ القرن التاسع عشر مثل رحلات أحمد فارس الشدياق وعلي
مبارك وغيرهما، ثم تزايدت وتيرة السياحة العربية حتى أصبح الكثير من العرب يجوبون،
سائحين، أوروبا وأمريكا وآسيا...الخ. غير أن الملاحظ في سياحة العرب عبر العالم أن
الشركات السياحية العالمية- من طيران وفنادق ومطاعم وبرامج سياحية- لا تقدم لهم خدمات
سياحية باللغة العربية إلا في القليل النادر عندما يتعلق الأمر بمعاملات سياحية هدفها
الربح المالي الوفير، وعليه يجد السائح العربي نفسه مضطرا إلى التعامل بواحدة من اللغات
السياحية العالمية، كالإنكليزية أو الفرنسية، مضحيا بلغته وعلى نفقته في الوقت نفسه(‼).
فرض السياح الأجانب تعاملا سياحيا بلغاتهم على البلدان
المستقبلة لهم حتى في أوروبا نفسها فنجد الإنكليزية والألمانية إلى جانب الفرنسية،
ونجد الإيطالية والفرنسية والإنكليزية إلى جانب الإسبانية وهكذا دواليك في العديد من
بلدان العالم. أما العربية فلا يعثر لها السائح العربي على أثر، وإذا حدث ذلك في القليل
النادر فإن المستخدم منها لا يؤدي الخدمة السياحية أداء ناجعا ولا يفي بالغرض لهزال
المعجم السياحي العربي، حيث بقي المعجم العربي حبيس دلالات بدوية في مختلف الميادين
موروثة منذ قرون عديدة ولم يعرف التطور الذي عرفته الحياة اليومية عند العرب.
وإذا كان الآخرون معذورين في تجاهلهم استخدام اللغة
العربية في تعاملاتهم السياحية لأن أهل الأمر أولى به، فإن الأدهى من ذلك أن بلدانا
عربية مثل مصر وتونس والمغرب ولبنان والشام والخليج تعرف نشاطا سياحيا معتبرا ومتناميا
إلا أنها تتعامل مع السائح الأجنبي بلغته الأصلية أو بلغة أخرى وسيطة مهملة اللغة العربية
إهمالا تاما ومرد ذلك:
أ- الاعتقاد بأن السائح الأجنبي يجهل العربية جهلا
تاما قد يكون التعامل بها معه سببا في نفوره، ونسي الذاهبون هذا المذهب أن اللغة ليست
هي العنصر الأساس في الجذب السياحي ولو كان الأمر كذلك لما تخطى سائح حدوده اللغوية.
ب- احترام مبالغ فيه للسائح الأجنبي والسعي إلى إرضائه
بكل الوسائل علما بأنه جاء سائحا بحثا عن التميز والاختلاف والغرابة فكيف نقدم له ذلك
بلغته(؟!).
جـ- هزال في المعجم اللغوي العربي السياحي حيث يجد
المتعاملون السياحيون العرب أنفسهم أمام رصيد لغوي محدود من حيث الكم وبسيط من حيث
الاستعمالات يتسم بطابع المحلية وشيء من البداوة والريفية في حين تحتاج السياحة إلى
معجم حضري في مختلف آلياتها كالنقل والإيواء والإطعام والترفيه والتثقيف...الخ. وما
تتطلبه كل آلية سياحية من مصطلحات وتعابير قاموسية ذات دلالات ثابتة وآستعمالات لغوية
معمول بها في مختلف أنحاء العالم ، ويبدو أن هذا الهزال اللغوي لم يحث العرب على الاجتهاد
في ميدان لغة السياحة بقدر ما دفعهم إلى إهمال لغتهم شيئا فشيئا، في تعاملاتهم السياحية،
واستبدالها باستعمالات لغوية من لغات أخرى وكأن صيغا وتراكيب مثل "أهلا"
أو "مع السلامة" أو "صباح الخير" أو "إلى اللقاء"أو
"الغرفة" أو "الفطور"أو "الزيارة" أو "الجولة"...الخ.
أصعب من مقابلاتها في اللغات الأخرى أو أقل دقة وتعبيرا(‼).
لا يستطيع أحد أن ينكر أن العربية تعرف ضعفا لغويا
في مجال السياحة، ليس لضعف في طبيعتها أو في نظامها اللساني تركيبا أو دلالة .فاللغة
التي حملت القرآن الكريم والحديث النبوي الشريف وحوت حكمة الهند وحكم فارس وفلسفة اليونان
وعمران الرومان لا يعجزها أن تعبر عن نشاط بشري يومي قوامه الحل والترحال والأكل والشرب
وتعريف الآخرين بالمآثر والآثار، وإنما لحداثة عهد العرب بالنشاط السياحي. وبما أن
اللغة -أية لغة- تعامل وآستعمال فإن اللغة العربية بحاجة إلى استعمال وتوظيف في مجال
السياحة. ومن المستحيل أن يفعل ذلك غير العرب لأن المثل يقول "ماحك جلدك مثل ظفرك".
فالحرص عليها والحفاظ عليها وتنميتها وترسيخها ونشرها يبقى دائما وأبدا دينا في أعناق
أهلها لأن ضعفها ضعف لهم جميعا.
يتضح من خلال ماسبق ذكره أن السياحة العربية لا تخدم
اللغة العربية، عدا السياحة الدينية في البقاع المقدسة ، ولا توجد جهة تعمل على إصلاح
هذا الوضع الذي ينخر أساس الأمة العربية بهدوء ونفاذ نخر السوس لركيزة البيت لأن اللغة
العربية هي الرباط الأساس الذي يربط العرب اليوم، ولابد من الحفاظ عليه تفاديا للاستلاب
والتشتت والضياع.فما هو المطلوب لوضع حد لهذا الوضع؟ ومن هي الجهات المطالبة بذلك؟
أ- المطلوب بطبيعة الحال هو أن تحل اللغة العربية
محلها الخليق بها في عالم السياحة فتصبح أداة تواصل في مختلف النشاطات السياحية العربية
العربية أو العربية الأجنبية مع مراعاة مستوى الاستعمال اللغوي تماشيا مع الطرف المخاطب
ومستواه في اللغة العربية والهدف المنشود من التعامل معه بها.
ب- أما الجهات المطالبة بذلك فهي الإنسان العربي عموما
الذي يجدر به أن يحافظ على لغته باستعماله وتعامله بها مع الآخرين عربا أو أجانب مع
مراعاة تحقيق الغاية التواصلية بها وبذلك ينميها ويطورها لأن اللغة تعبير وتواصل، وتبقى
الجهات والهيئات المعنية بالسياحة أو باللغة العربية المعني الأول بهذا الشأن ومنها:
- الهيئات والدوائر
الرسمية المعنية بالسياحة مثل وزارات السياحة ودواوينها التي يتوجب عليها أن ترسم سياسة
سياحية ذات أبعاد وأهداف لغوية ضمن مخططات عملية مثل الحث على وضع برامج سياحية باللغة
العربية أو تشجيع الباحثين على إنجاز معاجم عربية سياحية ولنا في تراثنا الكثير من
الكتب التي يمكن استثمارها سياحيا.
- كليات السياحة
ومعاهدها وهي المحور الذي تدور حوله رحى السياحة واللغة العربية لأنها منطلق الفعل
السياحي يتعلم فيها العنصر السياحي حرفة السياحة وفق قوانينها ومتطلباتها ومقاييسها،
فإذا ماأضيف إلى ذلك تمكن فعلي وتام في اللغة
العربية التخصصية (أي لغة السياحة)، فإنه سيؤدي مهمته السياحية على أفضل وجه من حيث
الكفاءة والاحترافية محققا الأهداف السياحية المرجوة منه، كما سيؤدي مهمة أفضل وأجل
باستعماله لغة عربية متخصصة وترسيخها وبالتالي الإسهام في تطوير اللغة العربية، ونشرها
داخل الوطن العربي وخارجه.
- ولن يتأتى
ما سبق ذكره إلا إذا تضافرت جهود الهيئات والدوائر الرسمية مع جهود كليات السياحة ومعاهدها
بجهود مجامع اللغة العربية وأقسام اللغة العربية في الجامعات حيث ينبغي أن يدفع علماء
اللغة والباحثون فيها وطلبتها إلى الاهتمام بعربية السياحة، وما هو المانع من أن تنجز
بحوث ورسائل في عربية السياحة وقضاياها؟ أو من ترجمة مصطلحات سياحية؟ وما هو المانع
من التفكير في برامج تعليمية لغوية سياحية تدرج ضمن مقررات الليسانس؟ أو ضمن مقررات
كليات السياحة ومعاهدها؟ وما هو المانع من ترجمة البرامج السياحية. إنها تصورات لمشاريع
كثيرة وكبيرة تهدف إلى إيجاد تراكم لساني في السياحة باللغة العربية قصد تنمية عربية
السياحة وتوحيدها وخلق معجمها المتخصص، في مختلف مراحلها ومجالاتها مثل عربية النقل،
وعربية الإيواء، وعربية الإطعام،وعربية الترفيه...الخ.
هذا المخطط عام يمكن لأي بلد عربي أن يسهم فيه بالقسط
الذي يراه أو المناسب له، غير أن ضبط مخطط لغوي عربي، يسهم فيه كل بلد، حسب إمكاناته
السياحية والعلمية، يبقى شرطا لابد منه لأن اللغة العربية عنصر مشترك بين جميع العرب،
لا يستطيع بلد عربي أن يطورها بمعزل عن بقية البلدان العربية. وعليه فإن دور وزارات
السياحة ومؤسساتها المختلفة يبقى الركيزة الأساس في هذا المشروع العلمي والحضاري.
البعد السياحي غير العربي:
يبدو أن السياحة غير العربية تتجه في بلدان عربية
معينة كالبلدان الخليجية نحو الصفوة والنخبة من الأثرياء والنجوم والمفكرين والمثقفين
والأعلام، وعليه فإن التعامل السياحي بغير اللغات العالمية سيكون أمرا صعبا نظرا إلى
طبيعة الجمهور السياحي ومطالبه ورغباته، غير أن التعامل معه بمصطلحات وتراكيب عربية
بسيطة ومحددة سيضفي على المنتوج السياحي المقدم إليه نكهة عربية حتى لو كان في أفخم
فندق أو شقة في الدنيا، ولن يضره في شيء أن تقدم إليه أسماء الأطعمة بأسمائها العربية
–ولو مكتوبة بحروف أجنبية- إلى جانب تسمياتها الأجنبية وكذلك الحال بالنسبة إلى العديد
من المنتجات السياحية.
ولا أعتقد أن السائح غير العربي سينفر من السياحة
في البلدان العربية لمجرد أنه سمع خلال مخاطباته وتعاملاته كلمات ومصطلحات عربية دقيقة
واضحة المعنى، نطقها سهل من الناحية الصوتية مثل:"أهلا" و"مع السلامة"
و"فندق" و"مطار" و"جولة" و"سباق"و"بحر"...الخ.
وبذلك نضبط معجما سياحيا عربيا أساسيا يكون أداة للتعامل مع الأجانب، ووسيلة عصرية
وحضارية فعالة لنشر اللغة العربية وما يتعلق بها من ثقافة وفكر وذوق خارج حدودها اللسانية.
ولا شك أن السائح الأجنبي سيكون أسعد إذا ما وجد منتوجا
سياحيا عربيا أصيلا يذكره-بعد رجوعه إلى بلده- بجولته السياحية العربية كالأغاني الأصيلة
والتحف والنقوش والمنسوجات المزينة بخطوط عربية جميلة، الأمر الذي يجعله يحقق رغبة
الاكتشاف فعلا والاطلاع على الآخر، ويبعده عن الإحساس السياحي المتمثل في أن ما يحصل
عليه من منتوج سياحي لا يختلف عما حصل عليه في أماكن أخرى. وبالتالي فإن إضفاء الطابع
العربي –بدءا باللغة العربية أو انطلاقا منها – سيميز المنتوج السياحي العربي عن بقية
المنتوجات السياحية العالمية، ويصبح مصدر جدب للسواح وليس مصدر نفور كما يعتقد البعض.
البعد السياحي العربي:
تعرف بلدان عربية عديدة سياحة عربية متنامية لأسباب
تجارية بالدرجة الأولى وبدأت، هذه السياحة تستقطب مختلف شرائح المجتمع العربي في حركة
سياحية عربية متنوعة الأغراض. ويجدر بالأطراف المعنية. بهذه الحركة السياحية أن تستثمرها
استثمارا لغويا ينمي اللغة العربية ويطورها حفاظا على الرباط العربي الأساس. ومن الآليات
التي يمكن أن تعتمد في سبيل ذلك:
-التعامل مع السواح العرب
بعربية سياحية بدلا من الإنكليزية الركيكة تلفظا ودلالة وتراكيب أو الفرنسية الممسوخة
التي درج العديد من العرب –وبصفة خاصة في بلدان المغرب العربي –على استعمالها معتقدين
أن ذلك أمارة تقدم وتحضر (‼) وآستخدام عربية وسطى تعبر بدقة ووضوح عن متطلبات الفعل
السياحي بدءا بوسائل السفر، مرورا بمتطلبات الإقامة والطعام، وآنتهاء باحتياجات الفعل
السياحي في مختلف نشاطاته ومظاهره كالحفلات الفنية والزيارات التاريخية والجولات السياحية
والتسوق، وكل ذلك بالاعتماد على معجم لغوي عربي سياحي قاعدي تسهم في وضعه أو إنجازه
كل الأطراف المعنية بالسياحة واللغة، وأقصد بذلك مجامع اللغة العربية، والجامعات والمؤسسات
السياحية وهيئاتها من خلال برامج تعليمية لغوية أو برامج بحث متخصصة في "عربية
السياحة" ولا أعتقد أن هذا الأمر سيكون صعب المنال لأن أسلافنا وضعوا العديد من
الكتب والمعاجم في أسماء "الخيل" و"المزروعات" و"المشروبات"
و"المأكولات"، فما الذي يمنع الآن من ضبط الاستعمالات اللغوية في ميادين
معينة أو ترجمة مصطلحات لا وجود لمقابلاتها في العربية؟!.
يبدو لي أن التصور قابل للتنفيذ ولا يحتاج إلا لتنسيق
الجهود على مستوى الهيئات السياحية الآمرة ثم على مستوى الهيئات السياحية الفاعلة وأخيرا
على مستوى الهيئات اللغوية العربية التي ستجد في هذا المشروع متنفسا لها من الجمود
اللغوي الذي تعيش فيه، ونافذة لغوية مشرعة على الحياة تربط العربية بالحياة اليومية
المعاصرة.
-تأسيس مواقع وأنشطة سياحية
عربية : وبالإضافة إلى تعريب السياحة العربية مع العرب وتحميلها وظيفة لغوية ثقافية
حضارية موحدة (بكسر الحاء) على السياحة العربية أن تقدم إلى السائح العربي منتوجا سياحيا
عربيا راقيا أصيلا يرسخ فيه اللغة العربية وثقافتها ويمكنه من التفاعل معهما (أي اللغة
والثقافة) تفاعلا فعليا ومن الأمثلة على ذلك:
- بعث فكرة أسواق
الشعر بمختلف مظاهرها القديمة (الأسواق البدوية في الخيمة...الخ) أو الحديثة (في المسارح
والإذاعة والتلفاز والأشرطة الشعرية المسموعة أو المرئية...الخ).
- بعث فكرة المواقع
السياحية اللغوية أو الأدبية وربطها بشعراء وأدباء ولغويين مثل شعراء الجاهلية في شبه
الجزيرة العربية، ومعرة النعمان في سوريا ومايمكن بعثه من مجالس في بغداد...الخ وبعث
نشاط سياحي باللغة العربية حول تلك الأسماء.
- تأسيس نشاطات
فنية وثقافية ولغوية ومهرجانات باللغة العربية تكون مناسبة سياحية وترفيهية وثقافية
بين العرب وأداتها اللغة العربية، لترسيخ اللغة العربية أولا وتنميتها ونشرها بين أبنائها
والقضاء على التباعد الصوتي والدلالي الذي نسمعه يوميا في وسائل الإعلام بين الناطقين
بها، فضلا عن هزالها أمام اللغات الغازية.
وهكذا ستعمل السياحة العربية على ترسيخ اللغة العربية
وترقيتها ونشرها، بدلا من تقزيمها وتهميشها، وتصبح فعلا حضاريا منتجا على المستويين
الاقتصادي واللغوي.
5- وخلاصة القول:
هذه مجرد فكرة لربط السياحة العربية باللغة العربية ربطا علميا وعمليا وواقعيا بغية
توظيف النشاط السياحي توظيفا حضاريا تكون نتيجته إن شاء الله:
- الحفاظ على
اللغة العربية من الهزال الذي تعرفه أمام اللغات السياحية العالمية الغازية.
- إثراء معجم
لغوي عربي سياحي ينمي اللغة العربية ويربطها بالحياة العصرية.
- دفع السواح
الأجانب إلى الاحتكاك بالعربية وبثقافتها لإعطاء المنتوج السياحي العربي نكهة عربية
ونشر العربية خارج حدودها اللسانية ولوكان
نشرا محدودا.
- تنمية عربية
السواح العرب وترسيخها وتوحيدها في إطار الحفاظ على اللغة العربية ووحدتها وبالتالي
وحدة الأمة العربية وكل ما يرتبط بها من فكر ومعتقد.
ويمكن أن تقوم الجامعة الجزائرية بإنجاز نصيب من هذا
المشروع بوساطة تأسيس مسارات تعليمية في السياحة باللغة العربية أساسا- إلى جانب تمكن
الطلبة في اللغات الأجنبية كالإنكليزية والفرنسية- في إطار النظام التعليمي الجديد"
لسانس، ماستر، دكتوراه LMD" تخصص فيه مرحلة الليسانس للتعرف على عالم السياحة وأنواعه ووظائفه...الخ،
وتخصص مرحلة الماستر لتكوين متخصصين في أهم ميادين النشاط السياحي مثل تسيير المؤسسات
السياحية أو الإعلام السياحي أو البرمجة السياحية...إلخ، وتبقى مرحلة الدكتوراه لتكوين
المكونين في متطلبات السياحة.
وبذلك تحقق الجامعة الجزائرية شيئا من التفاعل مع
المحيط وتقدم له منتوجا فعالا، وتسهم من جهة أخرى في تطوير اللغة العربية وترسيخها
ونشرها.
وختاما فإن هذا المقال، يبقى مجرد فكرة مطروحة للدراسة
والبحث عن قضية مهمة جدا في الحياة المعاصرة على المستويين.
أ- المستوى الاقتصادي والاجتماعي والترفيهي...الخ.
ب- المستوى اللغوي والمعرفي والثقافي...الخ.
إنها قضية السياحة وعلاقتها باللغة، وأعتقد أن الوقت
حان للاهتمام بها.
الهوامش:
1-Brunel (p), pichois(cl) et Rousseau (A.M) :
Qu’est ce que la
littérature comparée. Armand Colin .Paris 1983
p34.
2-I.dem.p.p.34-38.
3- ابن جني: الخصائص.تحقيق
محمد علي البخاري الجزء الأول، دار الهدى للطابعة والنشر بيروت ص33..
4-Brunel (p), pichois(cl) et Rousseau (A.M) :
Qu’est ce que la littérature comparée. Armand Colin .Paris 1983 p37.